مقالة الأديب علاء الأسوانى ((( جملة إعتراضية )))
ماذا تعلم المصريون من مذبحة غزة ..؟
سوف يظل مشهد جثث الأطفال المحترقة فى غزة ماثلا فى ذاكرة المصريين إلى الأبد, فقد شكلت هذه المذبحة لحظة تاريخية فارقة , سقطت فيها أوهام , وإتضحت حقائق قد يكون من المفيد أن نستعرضها :
أولا : إتضح خلال المذبحة , أن المصريين جميعا مازالوا يشعرون بإنتمائهم العميق والمطلق للأمة العربية الإسلامية .. وبالرغم من نزع المكون القومى من مناهج التعليم ووسائل الإعلام على مدى ربع قرن ,
وبالرغم من الحملات المستمرة منذ كامب ديفيد لقطع أواصر مصر العربية , فإن الأجيال الجديدة فى مصر , قد ورثت إنتماءها العربى بالكامل .. وكل من رأى مئات الألوف من طلبة الجامعة وهم يتلقون ضربات الأمن المركزى القاسية أثناء تظاهرهم من أجل نصرة غزة .. لابد أن يتساءل : أين ومتى تعلم هؤلاء الأبناء حب فلسطين ؟ وقد رأيت بعينى رجالا يجهشون بالبكاء كالأطفال من حسرتهم وشعورهم بالعجز عن إنقاذ الضحايا … لقد أكدت المذبحة أن مصر , قلبا وقالبا , عربية إسلامية , وأى رهان على إنتماء آخر ليس إلا مضيعة للوقت والجهد .
ثانيا : أظهرت المذبحة أن قدرة إسرائيل المعنويه على إرتكاب أبشع المجازر غير مسبوقة فى التاريخ الحديث , بإستثناء جرائم النازيين التى تستوحى إسرائيل الكثير من أساليبها , فقد وقف قادة أسرائيل يتحدثون بطريقة عادية , ويبتسمون فى المحافل الدولية , بينما تقوم طائراتهم فى نفس اللحظة بإلقاء القنابل العنقودية والفسفورية على الأطفال والنساء فى غزة , وهذا مشهد بالغ الدلالة , لم يحس قائد صهيونى واحد بالذنب أو بالأسف أو بالندم , بل أن بعضهم بدا مزهوا بالمجزرة ..
وهذه الإستهانة بالحياة الإنسانية متسقة تماما مع الفكر الصهيونى الذى لايعتبر الأغيار (( غير الإسرائيليين ))
كائنات إنسانية مساوية فى الحقوق والواجبات ….
بل أن وزيرة خارجية إسرائيل (( صديقة الوزير أبو الغيط العزيزة الذى إنحنى مسرعا ليمسك يدها لئلا تتعثر قدمها الكريمة على السلم )) ليست إلا كادرا كبيرا من المخابرات الإسرائيلية , وقد إعترفت للصحافة الغربية بأنها تنكرت وعملت خادمة فى بيت عالم ذرة عراقى فى باريس لفترة طويلة , حتى إكتسبت ثقتة , وتمكنت من دس السم فى طعامه وقتله … هذه هى إسرائيل الحقيقية .. كل شىء مباح من أجل إنتصارها , وهى لاتفهم إلا لغة القوة , وبالتالى فإن توقع سلاما مجانيا تمنحه إسرائيل بغير أن تكون مرغمة عليه ليس إلا تصورا ساذجا أقرب إلى الأوهام .
ثالثا : بالرغم من تعاطف كثيرين من أصحاب الضمائر الحية فى الغرب مع ضحايا المذبحة .. فقد آن الأوان , أن ندرك , نحن العرب والمسلمين , أننا سوف نخوض دائما معاركنا فى هذا العالم وحدنا ..
فالدول الغربية كانت و سوف تظل دائما منحازة بالكامل لإسرائيل .. وقد صرح الإتحاد الأوروبى فى بداية المذبحة بأن إسرائيل تخوض حربا دفاعية , ثم رفض أن يرسل لجنة لتقصى الحقائق , وقد تحدت إسرائيل كعادتها , قواعد القانون الدولى جميعا , فلم يجرؤ مسئول غربى واحد على إنتقادها , بل وصفها ساركوزى بأنها ديمقراطية عظيمة .
والسؤال : لو أن الأطفال الذين أحرقتهم القنابل فى غزة كانوا أوروبيين أو أمريكيين … ماذا كان المجتمع الدولى ليفعل حينئذ ؟
الإجابة معروفة .. لكن هؤلاء الأطفال الضحايا عرب ومسلمون , وبالتالى , فإن العقلية الإستعمارية الغربية لاتساوى بين حياتهم وحياة أطفال الغرب … ولقد إجتمع قادة الدول الغربية فى شرم الشيخ , فلم يتفوه واحد منهم بكلمة واحدة ضد المجزرة , وإنما كان همهم أن يمنعوا تهريب السلاح إلى غزة , أى أنهم جاءوا ليساعدوا إسرائيل حتى تحقق بالسياسة ماعجزت عن تحقيقه بالحرب …..
إسرائيل ومعظم الدول الغربية يشتركون جميعا فى نفس النظرة الإستعلائية للعرب والمسلمين .. وأذكر فى العام الماضى أننى إلتقيت فى منزل أحد الأصدقاء على العشاء وزير خارجية دولة غربية كبرى .. وكان قد شرب قليلا , فأطلقت الخمر لسانه .. فلما سألته : هل تعتقد أن الإتحاد الأوروبى سوف يقبل يوما أن تكون تركيا عضوا فيه ؟
أجابنى فورا : يستحيل أن يقبل الإتحاد الأوروبى بلدا إسلاميا بين أعضائه .
رابعا : تم تصوير حركة حماس فى الإعلام الغربى على أنها الشيطان الأكبر , وأنها السبب فى هذه المذبحة , لأنها أطلقت الصواريخ على إسرائيل فأعطتها الذريعة … وهذا الكلام السخيف لايستحق الرد ..
فإسرائيل لم تكن يوما بحاجة إلى ذريعة , فهى ترتكب جرائمها ثم تبحث عن ذريعة وليس العكس , وهى تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين سواء أطلقوا الصواريخ أو لم يطلقوها .ويجب هنا ألاننسى حقيقتين ,..
أولا , أن غزة (( وفلسطين كلها فى الحقيقة )) أرض محتلة بالمعنى العملى والقانونى , وبالتالى من حق الفلسطينيين أن يقاوموا الإحتلال بكل الوسائل .. وبالتالى , فإن تهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية لايشكل جريمة , بل هو واجب وطنى وقومى وإنسانى .. الحقيقة الثانية , أن حركة حماس هى الحكومة العربية الوحيدة المنتخبة شرعيا , ومن حقها أن تمثل الشعب الفلسطينى .. لكن الدول الغربية بمجرد فوز حماس فى الإنتخابات بدأت ضدها حربا حقيقية من أجل إفقار الفلسطينيين وتجويعهم .. والسبب فى ذلك أن حركة حماس تمثل معنى المقاومة , وهو بالذات مالاتريد إسرائيل أن يكون نموذجا فى العالم العربى …
والحق أن الصمود الأسطورى الذى قام به مقاتلو حماس ضد آلة الحرب الإسرائيلية الجبارة , يبعث على الفخر والحزن .. الفخر لأن إسرائيل القوية قد هزمت للمرة الثانية بعد هزيمتها من حزب الله .. والحزن لأنه إذا كان بضعة آلاف من المقاتلين بأسلحة بسيطة بمقدورهم أن يصمدوا أمام إسرائيل , فماذا يكون الحال لو تدخلت الجيوش العربية الكبرى فى المعركة ؟ وما الذى يمنعها من ذلك ؟
خامسا : كشفت المذبحة أن النظام السياسى فى مصر , قد أصبحت له أجندة خاصة تعبر عن مصالح ورؤى مختلفة عن مصالح المصريين وتطلعاتهم … فهو لايرى فى حماس إلا الفرع الفلسطينى للأخوان المسلمين , وبالتالى فإن أى إنتصار تحققه سيدعم الإخوان فى مصر … ومن ناحية أخرى , فقد بنى النظام المصرى إستراتيجيته منذ كامب ديفيد على أن إسرائيل قوة لاتقهر , وبالتالى فإن الإستجابة لمطالبها عين العقل .. وهذه النظرية تربكها بشدة فكرة المقاومة , خصوصا لو حققت إنتصار .. ومن ناحية ثالثة , فقد تعلم النظام المصرى أن إرضاء إسرائيل يجلب معه رضا الولايات المتحدة والدول الغربية جميعا .
وكلها أشياء أساسية فى نجاح مخطط التوريث الذى يعد له على قدم وساق …
كل هذه الإعتبارات دفعت بالنظام المصرى إلى أن يشترك عمدا فى حصار الفلسطينيين فى غزة .. فقد أغلق معبر رفح الذى كان ممكنا تخفيف الحصار من خلاله .. وقد ظل المعبر مغلقا تماما قبل المذبحة , وتم منع عدة قوافل مصرية تحمل أغذية من العبور . أما المذبحة وبعدها , فلم يكن المعبر مفتوحا بشكل متواصل أبدا
وآخر الشهود على ذلك هو النائب حمدين صباحى الذى ذهب على رأس قافلة أغذية فمنعته السلطات المصرية من العبور وشاهد بنفسه عشرات من قوافل الأغذية معلقة على المعبر منذ إسبوعين كاملين , ولعلنا نذكر هنا الجمله التى صرحت بها وزيرة خارجية إسرائيل عندما قالت (( أننا نشترك مع كثير من الأنظمة العربية فى الأهداف والمصالح )) .
سادسا: بقدر ما كان الدور المصرى سلبيا ومؤسفا تحركت الآلة الإعلامية الحكومية العملاقة لتبث موجات من الأكاذيب فى أذهان المصريين .. قالوا اولأ : أن مصر ليس من حقها فتح معبر رفح طبقا لإتفاقية المعابر التى وقعت عليها عام 2005 , ثم تبين أن مصر لم توقع هذه الإتفاقية من الأساس , بل أن الإتفاقية نفسها لم يتم تجديدها فسقطت من تلقاء نفسها , كما قال الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولى .. بعد ذلك لجأ الإعلام المصرى إلى كذبة أخرى فقال أن فتح المعبر سيؤدى إلى توطين الفلسطينيين فى سيناء .. وهذا الكلام لامثيل لسخافته , لأن المطلوب لم يكن إدخال الفلسطينيين إلى مصر , وإنما إدخال الغذاء والدواء إلى الفلسطينيين .. ولما إنكشفت هذه الأكاذيب جميعا , لجأ الإعلام المصرى إلى أكثر الأكاذيب وقاحة , فأكد أن المعبر مفتوح بالفعل ولم يغلق قط .
وهذه إستهانة غير مسبوقة بعقول المصريين وحقهم فى أن يعرفوا مايحدث فى بلادهم .. وقد صاحب كل هذه الأكاذيب , الكثير من الخلط والتشويش .: فقد إختلط مفهوم الرئيس بالوطن , وأصبح من ينتقد سياسة الرئيس مبارك كارها لمصر وحاقدا عليها , كما إستعمل رؤساء تحرير الصحف الحكومية , التى يملكها ويمولها الشعب المصرى , كل مافى جعبتهم من شتائم بذيئة ضد كل من تجرأ وإعترض على سياسة الرئيس مبارك .. بدءا من حسن نصر الله إلى بشار الأسد …
وتم حشد الكتبة المنافقين ومن قدمتهم وسائل الإعلام بإعتبارهم خبراء لكى يكيلوا الشتائم لكل من عارض إشتراك مصر فى حصار غزة … وقد توجت هذه الحرب الإعلامية بمشهد من الكوميديا السوداء (( وهو مصطلح فى المسرح يعنى أنك ستضحك ثم تشعر بالحزن )) عندما إصطحب السيد فتحى سرور نواب الحزب الوطنى إلى منزل الرئيس مبارك حتى يعلن الآن عن تأييده له ؟ هل تحفظ فتحى سرور مرة واحدة فى حياته على أى شىء فعله أو قاله الرئيس مبارك ؟ الإجابة أن فتحى سرور ونواب الحزب الوطنى جميعا , يعتبرون كل مايصدر عن الرئيس مبارك آيات على حكمته وعظمته وزعامته … فما الحاجة الآن إلى إعلان تأييده فى موضوع غزة ؟ إلا أن يكون المراد إعلان التأييد على التأييد … وزيادة الخير خيرين كما يقال .
سابعا وأخيرا : ما العمل ..؟ قرأت منذ أعوام مقالا لباحث إستراتيجى إسرائيلى يحلل فيه المشهد السياسى العربى , أكد فيه أن تطبيق ديمقراطيه حقيقية فى العالم العربى سوف يحمل خطرا داهما على مصير إسرائيل ووجودها …
ليس لأن الإنتخابات النزيهة سوف تدفع بالإسلاميين إلى السلطة , فهو ليس من أنصار هذا الرأى , وهو يرى أن الإسلاميين فى مصر لن يحصلوا فى الإنتخابات على أكثر من ثلث مقاعد البرلمان , لكن المشكلة فى رأيه أن الحكومات المنتخبة تستند إلى قاعدة شعبية حقيقية والرؤساء المنتخبون يستمدون قوتهم من تأييد الشعب وليس من قدرتهم على قمعه , وبالتالى لن تستطيع إسرائيل أن تفرض عليهم إرادتها كما تفعل بسهولة مع الحكام الإستبداديين (( قارن بين الموقف العظيم المشرف الذى إتخذه رئيس الوزراء التركى المنتخب ومواقف الآخرين المخزية )) .
إننا لن نسترد كرامتنا وقدرتنا على التأثير فى الأحداث داخل مصر وخارجها , إلا إذا إنتزعنا حقنا فى إختيار من يحكمنا … عندئذ فقط سوف تتوقف إسرائيل عن ذبح أطفالنا .
الديمقراطية هى الحل ..
ماذا تعلم المصريون من مذبحة غزة ..؟
سوف يظل مشهد جثث الأطفال المحترقة فى غزة ماثلا فى ذاكرة المصريين إلى الأبد, فقد شكلت هذه المذبحة لحظة تاريخية فارقة , سقطت فيها أوهام , وإتضحت حقائق قد يكون من المفيد أن نستعرضها :
أولا : إتضح خلال المذبحة , أن المصريين جميعا مازالوا يشعرون بإنتمائهم العميق والمطلق للأمة العربية الإسلامية .. وبالرغم من نزع المكون القومى من مناهج التعليم ووسائل الإعلام على مدى ربع قرن ,
وبالرغم من الحملات المستمرة منذ كامب ديفيد لقطع أواصر مصر العربية , فإن الأجيال الجديدة فى مصر , قد ورثت إنتماءها العربى بالكامل .. وكل من رأى مئات الألوف من طلبة الجامعة وهم يتلقون ضربات الأمن المركزى القاسية أثناء تظاهرهم من أجل نصرة غزة .. لابد أن يتساءل : أين ومتى تعلم هؤلاء الأبناء حب فلسطين ؟ وقد رأيت بعينى رجالا يجهشون بالبكاء كالأطفال من حسرتهم وشعورهم بالعجز عن إنقاذ الضحايا … لقد أكدت المذبحة أن مصر , قلبا وقالبا , عربية إسلامية , وأى رهان على إنتماء آخر ليس إلا مضيعة للوقت والجهد .
ثانيا : أظهرت المذبحة أن قدرة إسرائيل المعنويه على إرتكاب أبشع المجازر غير مسبوقة فى التاريخ الحديث , بإستثناء جرائم النازيين التى تستوحى إسرائيل الكثير من أساليبها , فقد وقف قادة أسرائيل يتحدثون بطريقة عادية , ويبتسمون فى المحافل الدولية , بينما تقوم طائراتهم فى نفس اللحظة بإلقاء القنابل العنقودية والفسفورية على الأطفال والنساء فى غزة , وهذا مشهد بالغ الدلالة , لم يحس قائد صهيونى واحد بالذنب أو بالأسف أو بالندم , بل أن بعضهم بدا مزهوا بالمجزرة ..
وهذه الإستهانة بالحياة الإنسانية متسقة تماما مع الفكر الصهيونى الذى لايعتبر الأغيار (( غير الإسرائيليين ))
كائنات إنسانية مساوية فى الحقوق والواجبات ….
بل أن وزيرة خارجية إسرائيل (( صديقة الوزير أبو الغيط العزيزة الذى إنحنى مسرعا ليمسك يدها لئلا تتعثر قدمها الكريمة على السلم )) ليست إلا كادرا كبيرا من المخابرات الإسرائيلية , وقد إعترفت للصحافة الغربية بأنها تنكرت وعملت خادمة فى بيت عالم ذرة عراقى فى باريس لفترة طويلة , حتى إكتسبت ثقتة , وتمكنت من دس السم فى طعامه وقتله … هذه هى إسرائيل الحقيقية .. كل شىء مباح من أجل إنتصارها , وهى لاتفهم إلا لغة القوة , وبالتالى فإن توقع سلاما مجانيا تمنحه إسرائيل بغير أن تكون مرغمة عليه ليس إلا تصورا ساذجا أقرب إلى الأوهام .
ثالثا : بالرغم من تعاطف كثيرين من أصحاب الضمائر الحية فى الغرب مع ضحايا المذبحة .. فقد آن الأوان , أن ندرك , نحن العرب والمسلمين , أننا سوف نخوض دائما معاركنا فى هذا العالم وحدنا ..
فالدول الغربية كانت و سوف تظل دائما منحازة بالكامل لإسرائيل .. وقد صرح الإتحاد الأوروبى فى بداية المذبحة بأن إسرائيل تخوض حربا دفاعية , ثم رفض أن يرسل لجنة لتقصى الحقائق , وقد تحدت إسرائيل كعادتها , قواعد القانون الدولى جميعا , فلم يجرؤ مسئول غربى واحد على إنتقادها , بل وصفها ساركوزى بأنها ديمقراطية عظيمة .
والسؤال : لو أن الأطفال الذين أحرقتهم القنابل فى غزة كانوا أوروبيين أو أمريكيين … ماذا كان المجتمع الدولى ليفعل حينئذ ؟
الإجابة معروفة .. لكن هؤلاء الأطفال الضحايا عرب ومسلمون , وبالتالى , فإن العقلية الإستعمارية الغربية لاتساوى بين حياتهم وحياة أطفال الغرب … ولقد إجتمع قادة الدول الغربية فى شرم الشيخ , فلم يتفوه واحد منهم بكلمة واحدة ضد المجزرة , وإنما كان همهم أن يمنعوا تهريب السلاح إلى غزة , أى أنهم جاءوا ليساعدوا إسرائيل حتى تحقق بالسياسة ماعجزت عن تحقيقه بالحرب …..
إسرائيل ومعظم الدول الغربية يشتركون جميعا فى نفس النظرة الإستعلائية للعرب والمسلمين .. وأذكر فى العام الماضى أننى إلتقيت فى منزل أحد الأصدقاء على العشاء وزير خارجية دولة غربية كبرى .. وكان قد شرب قليلا , فأطلقت الخمر لسانه .. فلما سألته : هل تعتقد أن الإتحاد الأوروبى سوف يقبل يوما أن تكون تركيا عضوا فيه ؟
أجابنى فورا : يستحيل أن يقبل الإتحاد الأوروبى بلدا إسلاميا بين أعضائه .
رابعا : تم تصوير حركة حماس فى الإعلام الغربى على أنها الشيطان الأكبر , وأنها السبب فى هذه المذبحة , لأنها أطلقت الصواريخ على إسرائيل فأعطتها الذريعة … وهذا الكلام السخيف لايستحق الرد ..
فإسرائيل لم تكن يوما بحاجة إلى ذريعة , فهى ترتكب جرائمها ثم تبحث عن ذريعة وليس العكس , وهى تشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين سواء أطلقوا الصواريخ أو لم يطلقوها .ويجب هنا ألاننسى حقيقتين ,..
أولا , أن غزة (( وفلسطين كلها فى الحقيقة )) أرض محتلة بالمعنى العملى والقانونى , وبالتالى من حق الفلسطينيين أن يقاوموا الإحتلال بكل الوسائل .. وبالتالى , فإن تهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية لايشكل جريمة , بل هو واجب وطنى وقومى وإنسانى .. الحقيقة الثانية , أن حركة حماس هى الحكومة العربية الوحيدة المنتخبة شرعيا , ومن حقها أن تمثل الشعب الفلسطينى .. لكن الدول الغربية بمجرد فوز حماس فى الإنتخابات بدأت ضدها حربا حقيقية من أجل إفقار الفلسطينيين وتجويعهم .. والسبب فى ذلك أن حركة حماس تمثل معنى المقاومة , وهو بالذات مالاتريد إسرائيل أن يكون نموذجا فى العالم العربى …
والحق أن الصمود الأسطورى الذى قام به مقاتلو حماس ضد آلة الحرب الإسرائيلية الجبارة , يبعث على الفخر والحزن .. الفخر لأن إسرائيل القوية قد هزمت للمرة الثانية بعد هزيمتها من حزب الله .. والحزن لأنه إذا كان بضعة آلاف من المقاتلين بأسلحة بسيطة بمقدورهم أن يصمدوا أمام إسرائيل , فماذا يكون الحال لو تدخلت الجيوش العربية الكبرى فى المعركة ؟ وما الذى يمنعها من ذلك ؟
خامسا : كشفت المذبحة أن النظام السياسى فى مصر , قد أصبحت له أجندة خاصة تعبر عن مصالح ورؤى مختلفة عن مصالح المصريين وتطلعاتهم … فهو لايرى فى حماس إلا الفرع الفلسطينى للأخوان المسلمين , وبالتالى فإن أى إنتصار تحققه سيدعم الإخوان فى مصر … ومن ناحية أخرى , فقد بنى النظام المصرى إستراتيجيته منذ كامب ديفيد على أن إسرائيل قوة لاتقهر , وبالتالى فإن الإستجابة لمطالبها عين العقل .. وهذه النظرية تربكها بشدة فكرة المقاومة , خصوصا لو حققت إنتصار .. ومن ناحية ثالثة , فقد تعلم النظام المصرى أن إرضاء إسرائيل يجلب معه رضا الولايات المتحدة والدول الغربية جميعا .
وكلها أشياء أساسية فى نجاح مخطط التوريث الذى يعد له على قدم وساق …
كل هذه الإعتبارات دفعت بالنظام المصرى إلى أن يشترك عمدا فى حصار الفلسطينيين فى غزة .. فقد أغلق معبر رفح الذى كان ممكنا تخفيف الحصار من خلاله .. وقد ظل المعبر مغلقا تماما قبل المذبحة , وتم منع عدة قوافل مصرية تحمل أغذية من العبور . أما المذبحة وبعدها , فلم يكن المعبر مفتوحا بشكل متواصل أبدا
وآخر الشهود على ذلك هو النائب حمدين صباحى الذى ذهب على رأس قافلة أغذية فمنعته السلطات المصرية من العبور وشاهد بنفسه عشرات من قوافل الأغذية معلقة على المعبر منذ إسبوعين كاملين , ولعلنا نذكر هنا الجمله التى صرحت بها وزيرة خارجية إسرائيل عندما قالت (( أننا نشترك مع كثير من الأنظمة العربية فى الأهداف والمصالح )) .
سادسا: بقدر ما كان الدور المصرى سلبيا ومؤسفا تحركت الآلة الإعلامية الحكومية العملاقة لتبث موجات من الأكاذيب فى أذهان المصريين .. قالوا اولأ : أن مصر ليس من حقها فتح معبر رفح طبقا لإتفاقية المعابر التى وقعت عليها عام 2005 , ثم تبين أن مصر لم توقع هذه الإتفاقية من الأساس , بل أن الإتفاقية نفسها لم يتم تجديدها فسقطت من تلقاء نفسها , كما قال الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولى .. بعد ذلك لجأ الإعلام المصرى إلى كذبة أخرى فقال أن فتح المعبر سيؤدى إلى توطين الفلسطينيين فى سيناء .. وهذا الكلام لامثيل لسخافته , لأن المطلوب لم يكن إدخال الفلسطينيين إلى مصر , وإنما إدخال الغذاء والدواء إلى الفلسطينيين .. ولما إنكشفت هذه الأكاذيب جميعا , لجأ الإعلام المصرى إلى أكثر الأكاذيب وقاحة , فأكد أن المعبر مفتوح بالفعل ولم يغلق قط .
وهذه إستهانة غير مسبوقة بعقول المصريين وحقهم فى أن يعرفوا مايحدث فى بلادهم .. وقد صاحب كل هذه الأكاذيب , الكثير من الخلط والتشويش .: فقد إختلط مفهوم الرئيس بالوطن , وأصبح من ينتقد سياسة الرئيس مبارك كارها لمصر وحاقدا عليها , كما إستعمل رؤساء تحرير الصحف الحكومية , التى يملكها ويمولها الشعب المصرى , كل مافى جعبتهم من شتائم بذيئة ضد كل من تجرأ وإعترض على سياسة الرئيس مبارك .. بدءا من حسن نصر الله إلى بشار الأسد …
وتم حشد الكتبة المنافقين ومن قدمتهم وسائل الإعلام بإعتبارهم خبراء لكى يكيلوا الشتائم لكل من عارض إشتراك مصر فى حصار غزة … وقد توجت هذه الحرب الإعلامية بمشهد من الكوميديا السوداء (( وهو مصطلح فى المسرح يعنى أنك ستضحك ثم تشعر بالحزن )) عندما إصطحب السيد فتحى سرور نواب الحزب الوطنى إلى منزل الرئيس مبارك حتى يعلن الآن عن تأييده له ؟ هل تحفظ فتحى سرور مرة واحدة فى حياته على أى شىء فعله أو قاله الرئيس مبارك ؟ الإجابة أن فتحى سرور ونواب الحزب الوطنى جميعا , يعتبرون كل مايصدر عن الرئيس مبارك آيات على حكمته وعظمته وزعامته … فما الحاجة الآن إلى إعلان تأييده فى موضوع غزة ؟ إلا أن يكون المراد إعلان التأييد على التأييد … وزيادة الخير خيرين كما يقال .
سابعا وأخيرا : ما العمل ..؟ قرأت منذ أعوام مقالا لباحث إستراتيجى إسرائيلى يحلل فيه المشهد السياسى العربى , أكد فيه أن تطبيق ديمقراطيه حقيقية فى العالم العربى سوف يحمل خطرا داهما على مصير إسرائيل ووجودها …
ليس لأن الإنتخابات النزيهة سوف تدفع بالإسلاميين إلى السلطة , فهو ليس من أنصار هذا الرأى , وهو يرى أن الإسلاميين فى مصر لن يحصلوا فى الإنتخابات على أكثر من ثلث مقاعد البرلمان , لكن المشكلة فى رأيه أن الحكومات المنتخبة تستند إلى قاعدة شعبية حقيقية والرؤساء المنتخبون يستمدون قوتهم من تأييد الشعب وليس من قدرتهم على قمعه , وبالتالى لن تستطيع إسرائيل أن تفرض عليهم إرادتها كما تفعل بسهولة مع الحكام الإستبداديين (( قارن بين الموقف العظيم المشرف الذى إتخذه رئيس الوزراء التركى المنتخب ومواقف الآخرين المخزية )) .
إننا لن نسترد كرامتنا وقدرتنا على التأثير فى الأحداث داخل مصر وخارجها , إلا إذا إنتزعنا حقنا فى إختيار من يحكمنا … عندئذ فقط سوف تتوقف إسرائيل عن ذبح أطفالنا .
الديمقراطية هى الحل ..