دفاع عن كرامة المخالفين- فهمي هويدي
هل يمكن أن يختلف عربي مع السياسة المصرية دون أن يتعرّض للإهانة، فتُستباح كرامته وتُشوَّه صورته، وتلعن الصحافة المصرية والديه؟، وهل يعقل أن يُتَّهم كل مختلف بأنه حاقد وكاره؟، ولماذا يعتبر المختلف مع السياسة أو مع مواقف بعض التيارات مختلفا مع مصر ومسيئا إليها؟، ألا يوجد مختلف يمكن أن يكون إنسانا محترما له مواقفه المبدئية المستقلة دون أن تكون له أجندة خفية أو مدسوسا من أى جهة معادية لا تضمر للبلد خيرا؟
مثل هذه الأسئلة يسمعها المرء حيثما ذهب في العالم العربي، من بعض السياسيين والمثقفين، الذين لا يخفون دهشتهم واستغرابهم من الأسلوب الهابط الذي تتناول به الصحافة المصرية المخالفين، وما يزعج هؤلاء أنهم يعلمون جيدا أن الصحافة في مصر حين تطلق ألسنتها وتوجه سهامها إلى أي مخالف أو ناقد، فإن ذلك لا يكون في العادة بعيدا عن السياسة؛ إن لم يكن صدىً لها.
الحملة الراهنة على السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في لبنان نموذج لتلك الحالة التي نتحدث عنها. فالرجل انتقد أخيرا موقف مصر من إغلاق معبر رفح، فصدر بيان عن الخارجية المصرية وصفه بأنه «عميل لإيران»، وانطلقت الأبواق الإعلامية تعرِّض بالرجل وتكيل له الأوصاف الجارحة، التي تجاوز بعضها حدود اللياقة والأدب، وهو مشهد يستدعي ملاحظتين، إحداهما في الشكل، والثانية تنصبّ على المضمون.
من حيث الشكل؛ فالرجل تحدث في موضوع معين من الممكن أن يختلف المرء معه أو يتفق، لكن الرد تجاهل الموضوع وطعن في ذات المتحدِّث. وهو مسلك ينمّ عن ضعف في الحجة، ويكاد يثبت التهمة. إذ إنه لا يختلف كثيرا عن مشهد رجل اتهمه آخر بالنصب عليه، فما كان منه إلا أن سبّ الآخر واتهمه بأنه «قليل الأدب». فالرجل في هذه الحالة لم يجد دليلا أو حجة يدفع بهما التهمة، فاستسهل أن يقدح في شخص من اتهمه. وهذا بالضبط ما فعله بيان الخارجية، والذي كان بوسعه أن يفند انتقادات السيد نصر الله، دون أن يتعرض إلى ذاته بتلك الصورة التى يستغرب المرء صدورها عن قلعة الديبلوماسية في مصر بحق أي شخص، فما بالك إذا كان الشخص رمزا جليل القدر مثل السيد نصر الله؟!
من حيث المضمون؛ فإننى أزعم أن الكبار يقاس قدرهم بمدى سعة صدورهم واستعلائهم فوق المهاترات والصغائر، تماما كما أن الكبار يظلون محط الآمال وقبلة الأنظار، لذلك، فإن قدَرهم أن يظلوا هدفا للنقد، لأن المتطلعين إليهم ينتظرون منهم العطاء الأوفر والأمثل دائما، وليس صحيحا أن كل من انتقد موقفا سياسيا أو إجراء حكوميا يُعد مسيئا إلى مصر، لأن الإساءة الحقيقية تكمن في اختزال البلد بقامته وقيمته في شخص أو حكومة أو حتى نظام. اذ تلك كلها عناصر متغيرة، في حين يظل البلد هو الثابت. لكن بعض الأبواق تسعى إلى تذويب الأوطان في الأشخاص لتضفي على الآخرين حصانة ترهب الناقدين وتسوغ اتهامهم بالعداء للأوطان، وهي ذات الحيلة التي تلجأ إليها إسرائيل لكي تخيف كل من ينتقد سياساتها، فتسارع إلى اتهامه بالعداء للسامية.
إننا منذ سنوات نلعن السياسة الأميركية، ونندد بمواقف الدول الغربية التي تساند العدوان على بلادنا، ولم يقل أحد إننا ضد هذه الدول.
لست أدافع عن الانتقادات الموجَّهة إلى مصر، علما بأن صحف المعارضة المحلية حافلة بمثل تلك الانتقادات. ولا أريد أن أبرئ ساحة كل الناقدين، لكنني أدعو إلى التميز والفرز بين المخالفين، لأننى أعرف كثيرين أصبحوا ينتقدون السياسة المصرية، ليس انطلاقا من الكراهية للبلد، ولكن لأن بعض مواقفها خيبت آمالهم وجاءت دون توقعاتهم. في الوقت ذاته؛ فإننى أدعو إلى مخاطبة المخالفين بلغة بلد كبير يحترم نفسه ويحترم الآخرين.
علما بأن بعض الكتّاب العرب كثيرا ما يسألوننا: لماذا لا تتعامل معنا مصر السياسية والإعلامية بمثل ما تُعامل به الصحافيين الغربيين، الذين يأخذون راحتهم كثيرا في نقد كل شيء في البلد، ولا أحد في القاهرة يرد عليهم بكلمة أو يدوس لهم على طرف؟!
............ ......
هل يمكن أن يختلف عربي مع السياسة المصرية دون أن يتعرّض للإهانة، فتُستباح كرامته وتُشوَّه صورته، وتلعن الصحافة المصرية والديه؟، وهل يعقل أن يُتَّهم كل مختلف بأنه حاقد وكاره؟، ولماذا يعتبر المختلف مع السياسة أو مع مواقف بعض التيارات مختلفا مع مصر ومسيئا إليها؟، ألا يوجد مختلف يمكن أن يكون إنسانا محترما له مواقفه المبدئية المستقلة دون أن تكون له أجندة خفية أو مدسوسا من أى جهة معادية لا تضمر للبلد خيرا؟
مثل هذه الأسئلة يسمعها المرء حيثما ذهب في العالم العربي، من بعض السياسيين والمثقفين، الذين لا يخفون دهشتهم واستغرابهم من الأسلوب الهابط الذي تتناول به الصحافة المصرية المخالفين، وما يزعج هؤلاء أنهم يعلمون جيدا أن الصحافة في مصر حين تطلق ألسنتها وتوجه سهامها إلى أي مخالف أو ناقد، فإن ذلك لا يكون في العادة بعيدا عن السياسة؛ إن لم يكن صدىً لها.
الحملة الراهنة على السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في لبنان نموذج لتلك الحالة التي نتحدث عنها. فالرجل انتقد أخيرا موقف مصر من إغلاق معبر رفح، فصدر بيان عن الخارجية المصرية وصفه بأنه «عميل لإيران»، وانطلقت الأبواق الإعلامية تعرِّض بالرجل وتكيل له الأوصاف الجارحة، التي تجاوز بعضها حدود اللياقة والأدب، وهو مشهد يستدعي ملاحظتين، إحداهما في الشكل، والثانية تنصبّ على المضمون.
من حيث الشكل؛ فالرجل تحدث في موضوع معين من الممكن أن يختلف المرء معه أو يتفق، لكن الرد تجاهل الموضوع وطعن في ذات المتحدِّث. وهو مسلك ينمّ عن ضعف في الحجة، ويكاد يثبت التهمة. إذ إنه لا يختلف كثيرا عن مشهد رجل اتهمه آخر بالنصب عليه، فما كان منه إلا أن سبّ الآخر واتهمه بأنه «قليل الأدب». فالرجل في هذه الحالة لم يجد دليلا أو حجة يدفع بهما التهمة، فاستسهل أن يقدح في شخص من اتهمه. وهذا بالضبط ما فعله بيان الخارجية، والذي كان بوسعه أن يفند انتقادات السيد نصر الله، دون أن يتعرض إلى ذاته بتلك الصورة التى يستغرب المرء صدورها عن قلعة الديبلوماسية في مصر بحق أي شخص، فما بالك إذا كان الشخص رمزا جليل القدر مثل السيد نصر الله؟!
من حيث المضمون؛ فإننى أزعم أن الكبار يقاس قدرهم بمدى سعة صدورهم واستعلائهم فوق المهاترات والصغائر، تماما كما أن الكبار يظلون محط الآمال وقبلة الأنظار، لذلك، فإن قدَرهم أن يظلوا هدفا للنقد، لأن المتطلعين إليهم ينتظرون منهم العطاء الأوفر والأمثل دائما، وليس صحيحا أن كل من انتقد موقفا سياسيا أو إجراء حكوميا يُعد مسيئا إلى مصر، لأن الإساءة الحقيقية تكمن في اختزال البلد بقامته وقيمته في شخص أو حكومة أو حتى نظام. اذ تلك كلها عناصر متغيرة، في حين يظل البلد هو الثابت. لكن بعض الأبواق تسعى إلى تذويب الأوطان في الأشخاص لتضفي على الآخرين حصانة ترهب الناقدين وتسوغ اتهامهم بالعداء للأوطان، وهي ذات الحيلة التي تلجأ إليها إسرائيل لكي تخيف كل من ينتقد سياساتها، فتسارع إلى اتهامه بالعداء للسامية.
إننا منذ سنوات نلعن السياسة الأميركية، ونندد بمواقف الدول الغربية التي تساند العدوان على بلادنا، ولم يقل أحد إننا ضد هذه الدول.
لست أدافع عن الانتقادات الموجَّهة إلى مصر، علما بأن صحف المعارضة المحلية حافلة بمثل تلك الانتقادات. ولا أريد أن أبرئ ساحة كل الناقدين، لكنني أدعو إلى التميز والفرز بين المخالفين، لأننى أعرف كثيرين أصبحوا ينتقدون السياسة المصرية، ليس انطلاقا من الكراهية للبلد، ولكن لأن بعض مواقفها خيبت آمالهم وجاءت دون توقعاتهم. في الوقت ذاته؛ فإننى أدعو إلى مخاطبة المخالفين بلغة بلد كبير يحترم نفسه ويحترم الآخرين.
علما بأن بعض الكتّاب العرب كثيرا ما يسألوننا: لماذا لا تتعامل معنا مصر السياسية والإعلامية بمثل ما تُعامل به الصحافيين الغربيين، الذين يأخذون راحتهم كثيرا في نقد كل شيء في البلد، ولا أحد في القاهرة يرد عليهم بكلمة أو يدوس لهم على طرف؟!
............ ......